عهد المحبة المدير العام
عدد الرسائل : 1023 العمر : 36 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 28/06/2007
| موضوع: جُمِعَتْ فِي صِفَاتِكَ الاضدادُ (الامام علي عليه السلام ) السبت أبريل 25, 2009 10:39 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآله الطيبين الطاهرين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحيانا يتبادر تساؤل عن اجتماع الأضداد في الامام علي عليه السلام وخصوصيته فيه كما سيأتي بيانه من خلال الموضوع المطروح بعد مقدمة عن الآيات التي يمثّل أمير المؤمنين عليه السلام مصداقها،وقدجاء في آخر سورة الفرقان أربع عشرة صفة لعباد الله، هي:
«وَ عِبَادُ الرَّحْمَـ'نِ الَّذِينَ يَمْشُونَ علی الاْرْضِ هَوْنًا وَ إِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَـ'هِلُونَ قَالُوا سَلَـ'مًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهُمْ سُجَّدًا وَ قِيَـ'مًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقَامًا * وَالَّذِينَ إذَآ أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كَانَ بَيْنَ ذَ' لِكَ قَوَامًا * وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَهِ إِلَـ'هًا ءَاخَرَ وَ لاَ يقتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ لاَ يَزْنُونَ وَ مَن يَفْعَلْ ذَ ' لِكَ يَلْقَ أَثَامًا. إلی أن يقول: وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَ إِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِـَايَـ'تِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَ عُمْيَانًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِن أَزْوَ ' جِنَا وَ ذُرِّيَّـ'تِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا».[1] و كان عليّ بن أبي طالب سبّاقاً مبرّزاً في جميع تلك الصفات. و كذلك كان في سائر الآيات نحو «والَّذِينَ ءَامَنُو´ا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَهِ»، [2] و الآية: «وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَ هَاجَرُوا وَ جَـ'هَدُوا فِي سَبِيلِ اللَهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوا وَّنَصَرُو´ا أُولَـ'´ءِكَ هُمُ الْمُؤمِنُونَ حَقًّا لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ»، [3] و الآية: «يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا إِن تَتَّقُوا اللَهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا»، [4]و الآية: «يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةًفَاثْبُتُوا»،[5]والآية: «يُثَبِّتُ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَو'ةِ الدُّنْيَا وَ فِي الاَخِرَةِ»،[6] و الآية: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُو´ا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ»[7]، والآية «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ بِالْقِسْطِ»[8]، و الآية: «الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ تَطْمَئنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَهِ»[9]، و الآية: «يَرْفَعِ اللَهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَـ'تٍ»[10]، و الآية: «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمنُونٍ»[11]، و الآية: «إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ أُولَـ ' ´ءِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»[12]، و الآية: «إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ وَ تَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ»[13]، والآية: «والْمُقِيمِي الصَّلَو'ةِ وَ مِمَّا رَزَقْنَـ'هُمْ يُنْفِقُونَ»،[14] و الآية: «وَ يَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَ مِمَّا رَزَقْنَـ'هُمْ يُنْفِقُونَ»، [15] و الآية: «يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَ مِمَّا رَزَقْنَـ'هُمْ يُنْفِقُونَ». [16]
و أمثال هذه الآيات الجمّة في القرآن الكريم. و من الطبيعيّ فإنّ الكلام يدور فعلاً حول هذه الآيات و أمثالها التي يُمثّل أمير المؤمنين عليهالسلام فيها ا لإنسان المتميّز و النموذج المرموق في هذه الصفات والافعال. و أمّا الآيات التي تخصّه بالذات و هو شأن نزولها، فلا تدخل في كلامنا هذا فعلاً.
و علی هذا الاساس نفسه جمع أمير المؤمنين الاضداد. فقد جمع الشجاعة و ثبات القدم و الجهاد الراسخ في سبيل الله إلی جانب رقّة القلب و صفاء الباطن و التوجّه إلی الله و الزهد و العبادة الكثيرة. و هذا موضوع خاض فيه العلماء و الاكابر.
اجتماع الصفات المتضادّة في أميرالمؤمنين عليه السلام يقول الشريف الرضيّ جامع «نهج البلاغة» في مقدّمته علی النهج: ومن عجائبه عليه السلام التي انفرد بها الواردة في الزهد و المواعظ والتذكير و الزواجر إذا تأمّله المتأمّل، و فكرّ فيه المتفكّر، و خلع من قلبه أنّه كلام مثله ممّن عظم قدره، و نفذ أمره و أحاط بالرقاب ملكه، لم يعترضه الشكّ في أنّه من كلام من لاحظّ له إلاّ في الزهادة، ولاشغل له بغير العبادة. و قد قبع في كسر بيت أو انقطع إلی سفح جبل، لايسمع إلاّ حسّه، ولايري إلاّ نفسه، ولايكاد يوقن بأنّه كلام من ينغمِس في الحرب مصلتاً سيفه، فيقطع الرقاب و يجدِّل الابطال، و يعود به ينطف دماً، و يقطر مُهَجاً، و هو مع تلك الحال زاهد الزهّاد، و بدل الابدال. و هذه من فضائله العجيبة و خصائصه اللطيفة التي جمع بها بين الاضداد، و ألّف بين الاشتات.
كلام ابن أبي الحديد في الصفات المتضادّة لامير المؤمنين 0000 يقول الشارح المعتزليّ ابن أبي الحديد الشافعيّ في ذيل كلام الشريف الرضيّ: كان أمير المؤمنين عليه السلام ذا أخلاق متضادّة.
فمنها: ما ذكره الرضيّ، و هو موضع التعجّب؛ لانّ الغالب علی أهل الشجاعة و ا لإقدام و المغامرة و الجرأة أن يكونوا ذوي قلوب قاسية، وفتكٍ و تمرّد و جَبَريّة، و الغالب علی أهل الزهد و رفض الدنيا و هجران ملاذّها و الاشتغال بمواعظ الناس و تخويفهم المعاد، و تذكيرهم الموت، أن يكونوا ذوي رقّة و لين، و ضعف قلب، و خَوَر طبع وهاتان حالتان متضادّتان، و قد اجتمعتا له عليه السلام.
و منها: أنّ الغالب علی ذوي الشجاعة و إراقة الدماء أن يكونوا ذوي أخلاق سَبُعِيّة، و طباع حوشيّة و غرائز وحشيّة و كذلك الغالب علی أهل الزهادة و أرباب الوعظ و التذكير و رفض الدنيا أن يكونوا ذوي انقباض في الاخلاق و عبوس في الوجوه، و نفار من الناس و استيحاش وأميرالمؤمنين عليه السلام كان أشجع الناس و أعظمهم إراقة للدم في سبيل الله، و أزهد الناس و أبعدهم عن ملاذّ الدنيا، و أكثرهم وعظاً وتذكيراً بأيّام الله و مَثلاته، و أشدّهم اجتهاداً في العبادة و آداباً لنفسه في المعاملة. و كان مع ذلك ألطف العالَم أخلاقاً، و أسفرهم وجهاً، و أكثرهم بشراً وأوفاهم هشاشة، و أبعدهم عن انقباض موحش، أو خُلُق نافر، أو تجهّم مباعد. أو غِلظة و فظاظة تنفر معهما نفس، أو يتكدّر معهما قلب. حتّي عيب «بالدُّعابة»، و لمّا لم يجدوا فيه مغمزاً و لا مطعناً تعلّقوا بها واعتمدوا في التنفير عنه عليها (و قالوا.... لانّ عليّاً يمزح فهو لا يصلح للخلافة). وتلك شكاةٌ ظاهرٌ عنك عارُها و هذا من عجائبه و غرائبه اللطيفة.
و منها: أنّ الغالب علی شرفاء الناس و من هو من أهل بيت السيادة والرئاسة أن يكون ذاكِبرٍ وتيهٍ و تعظّم و تغطرُس، خصوصاً إذا أُضيف إلی شرفه من جهة النسب شرفه من جهات أُخري. و كان أمير المؤمنين عليهالسلام في مُصاص الشرف و معدنه و معانيه، لايشكّ عدوٌّ و لا صديق أنّه أشرف خلق الله نسباً بعد ابن عمّه صلوات الله عليه. و قد حصل له هذا الشرف ـ غير شرف النسب ـ من جهات كثيرة متعدّدة، قد ذكرنا بعضها ومع ذلك فكان أشدّ الناس تواضعاً لصغير و كبير، و إلینهم عريكة وأسمحهم خلقاً، و أبعدهم عن الكِبر، و أعرفهم بحقّ.
و كانت حاله هذه في كلا زمانيه: زمان خلافته، و الزمان الذي قبله. لم تغيّره ا لإمرة و لا أحالت خُلُقَه الرئاسة. و كيف تحيل الرئاسة خُلُقَه ومازال رئيساً! و كيف تغيّر ا لإمرة سجيّته و ما برح أميراً! لم يستفد بالخلافة شرفاً، و لا اكتسب بها زينة، بل هو كما قال أبوعبد الله أحمد بن حنبل.
ذكر ذلك الشيخ أبوالفرج عبدالرحمن بن عليّ بن الجَوزيّ في تاريخه المعروف «بالمنتظم»: تذاكروا عند أحمد بن حنبل خلافة أبي بكر و عليّ، و قالوا فأكثروا، فرفع رأسه إلیهم، و قال: قد أكثرتم! إِنَّ عَلِيّاً لَمْ تَزِنْهُ الْخِلافَةُ؛ وَلَكِنَّهُ زَانَها. و هذا الكلام دالٌّ بفحواه و مفهومه علی أنّ غيره ازدان بالخلافة و تمّمت نقيصته، و أنّ عليّاً عليه السلام لم يكن فيه نقص يحتاج إلی أن يتمّم بالخلافة؛ و كانت الخلافة ذات نقص في نفسها فتمّ نقصها بولايته إيّاها.
و منها: أنّ الغالب علی ذوي الشجاعة و قتل الانفس و إراقة الدماء أن يكونوا قليلي الصفح، بعيدي العفو، لانّ أكبادهم و اغرة، و قلوبهم ملتهبة، و القوّة الغضبيّة عندهم شديدة، و قد علمتَ حالَ أمير المؤمنين عليه السلام في كثرة إراقة الدم و ما عنده من الحلم و الصفح، و مغالبة هوي النفس، و قد رأيتَ فعله يوم الجمل. [18]
و لقد أحسن «مهيار» في قوله:
حَتّي إِذا دَارَت رَحَي بَغْيِهِمْ عَلَيْهِم وَ سَبَقَ السَّيْفُ العَذَلْ
عَاذُوا بِعَفوِ ماجِدٍ مُعَوَّدٍ لِلْعَفْوِ حَمَّالٍ لَهُم علی العِلَلْ
فَنَجَّتِ البُقْيَا عَلَيْهِم مَن نَجَا وَ أَكَلَ الحَديدُ مِنْهُمْ مَنْ أَكَلْ
أَطَّتْ بِهِمْ أَرْحَامُهُمْ فَلَمْ يُطِعْ ثائرَةُ الْغَيْظِ وَ لَمْ يَشْفِ الغُلَلْ
و منها: أنّا ما رأينا شجاعاً كان جواداً و سخيّاً قطّ. كان عبد الله بن الزبير شجاعاً و كان أبخل الناس. و كان الزبير أبوه شجاعاً و كان شحيحاً قال له عمر: لو وُلِّيتها، لظلتَ تُلاطِمُ الناس في البطحاء علی الصاع و المُدّ. وأراد عليّ عليه السلام أن يحجُر علی ابن اخيه عبد الله بن جعفر لتبذيره المال، فاحتال لنفسه، فشارك الزبير في أمواله و تجاراته؛ فقال عليهالسلام: أما إنـّه قد لاذ بملاذ، و لم يحجُر عليه. و كان طلحة شجاعاً وكان شحيحاً، أمسك عن ا لإنفاق حتّي خلّف من الاموال مالايأتي عليه الحصر. و كان عبدالملك شجاعاً و كان شحيحاً، يُضرَب به المثل في الشحّ، و سمّي: رَشْحُ الحُجْر، لبخله.
جلّ معناك أن يحيط بك الشعر! و قد علمتَ حالَ أمير المؤمنين عليه السلام فيالشجاعة و السخاء، كيف هي! و هذا من أعاجيبه أيضاً عليه السلام.[19] وقد ذكر هذا المعني الاديب الشاعر الشيخ صفّي الدّين عبد العزيز بن سِرايا الحلّيّ، فقال:
جُمِعَتْ فِي صِفَاتِكَ الاضدادُ فَلِهـذا عَزَّتْ لَكَ الاندادُ
زَاهِدٌ حَاكِمٌ حَلِيمٌ شُجَاعٌ فَاتِكٌ نَاسِكٌ فَقيرٌ جَوادُ
شِيمٌ ماجُمِعنَ فِي بِشَرٍقَطْ وَ لاَ حازَ مِثْلَهُنَّ الْعِبادُ
خُلُقٌ يُخجِلُ النَّسِيمَ مِن اللُّطْفِ وَبَأسٌ يَذُوبُ مِنْهُ الجَمادُ
ظَهَرَتْ مِنَكَ فِي الوَريَ مَكرُمَاتٌ فَأقَرَّتُ بِفَضْلِكَ الحُسَّادُ
إن يُكَّذِبُ بِهَا عَداكَ فَقَدْ كَذَّبَ مِن قَبْلُ قَوْمُ لُوطٍ وَ عادُ
جَلَّ مَعْناكَ أَن يُحيطَ بِهِ الشِّعْرُ وَ يُحصِي صِفَاتِكَ النُّقَّادُ | |
|